ليلى عماشا
تضاربت الأنباء في اللحظات الأولى بُعيد الاستـ..ـهداف الصـ.ـاروخي في رأس النبع - بيروت، في ١٧ تشرين الثاني ٢٠٢٤، وكانت جميعها تتقاطع عند اسمه.. لم تكن تلك المرّة الأولى التي يجري فيها حديث عن استـ..ـهداف الحاج محمد عفيف منذ اشتعال معركة أولي البأس لكنّها كانت الأولى التي كانت فيها احتمالية صحّة الخبر أكبر بكثير من احتمال كونه خبرًا كاذبًا، أو غير دقيق.
زُفَّ الحاج محمد شـ.ــهـ.ـيدًا، وأروقة الإعلام شهدت، كما قلوب أهل المـ..ـقاومة، من نزح منهم ومن استطاع إلى البقاء في بيته سبيلًا، على دموع سبقت الحناجر إلى قراءة الخبر.. ولعلّ أوّل ما مرّ ببال الأرواح كان تهنئة الشـ.ــهـ.ـيد المحمدّي العفيف، رغم ثقل الخبر.. فقد كانت الدنيا في عينيه ثقيلة جدًّا منذ أن كتب بيان نعي "روحه التي بين جنبيه".. منذ أن زفّت كلماته إلى الأمّة نبأ اســ.ـتشهـ.ـاد "العبد الصالح..."
وبعيدًا عن وجع اللحظات الأولى، لم يكن نبأ اســ.ـتشهـ.ـاد الحاج محمد صادمًا، فكلّ من شاهده أو سمعه خلال المعركة، عرف فيه سمات الشـ.ـهداء.. من أصغى لصوته مخاطبًا الشـ.ــهـ.ـيد الأسمى قائلًا "يا سيّدي ويا روحي التي بين جنبيّ..."، عرف في طيَات القلب أن الحاج محمد، لن يطيل المكوث في هذه الدنيا، ومثله لا يرتحل منها إلّا شـ.ــهـ.ـيدًا..
إلى جوار السيّد والشـ.ـهداء انتقل الحاج محمد عفيف مع فريقه ورفاقه موسى حيدر ومحمود الشرقاوي وهلال ترمس. والأثر بعد عام ينطق بإرث إعلاميّ يقاوم، ويواجه، ويتحوّل إلى ذخائر نوعية في مــخـ.ــا زن سـلـاح الإعلام المـ..ـقاوم. والدليل أنّ هذا الفريق الإعلامي وعلى رأسه الحاج محمد عفيف، يحضر في ذكراه اليوم في عيون وكلمات جميع من عملوا معه، ومن تعلّموا منه، بل وحتى من اختلفوا معه في موقف أو حدث، بدون المساس بالودّ الذي يجمع العاملين في الحقل نفسه، ومع الحفاظ على معيار صون المـ..ـقاومة واحترام خياراتها.. ببساطة، يحضر الحاج محمد عفيف بطلًا إعلاميًا مـ..ـقاومًا في عيون كلّ أشراف الميدان، وكلّ أحراره.
بعد عمر من جـ.ـهــاد في صفوف المـ..ـقاومة، والكلمة سـلـاح.. عمر غاب فيه وجه محمد عفيف عن "كادر الكاميرا" إلّا في المناسبات، حضر وجهه وصوته بقوّة ليصبح الناطق باسم المـ..ـقاومة، باسم رجالها وأهلها، باسم شهدائها، تحت النار.. وليس خافيًا على أحد أنّ ظهوره الإعلاميّ والعلنيّ في تلك الفترة كان خيارًا اســ.ـتشهـ.ـاديًا، وخيارًا لا يتخذه سوى من امتلك في ضلوعه قلبًا يجيد القتال، ووعيًا يذهب في المـ..ـواجهة إلى آخرها، ويقينًا أنّنا لا نُهزم، وأنّنا حين نُستشهد ننتصر.
التحق الحاج محمد عفيف بالمسيرة المـ..ـقاومة منذ طلقاتها الأولى، عام ١٩٨٣.. واجتهد في تحويل الإعلام من منصّات إخبارية إلى ميدان قتال ومـ..ـواجهة مباشرة مع الـ.ـعـ..ـدو، طوال سنين حياته التي تولّى خلالها إدارة المؤسّسات الإعلامية المـ..ـقاومة تباعًا: قناة المـ.ــنار وإذاعة النور وموقع العهـ.د الإخباري، وتولّى في العام ٢٠١٤ منصب مسؤول العلاقات الإعلامية في حـ.ـزب الله.
عرفه الإعلاميون المحليون والعرب وكذلك الدوليون، عقلًا نيّرًا وروحًا تتسّع لجميع الطروحات ووعيًا قادرًا على احتواء الاختلافات الأشدّ حدّة، وصوتًا لا يحيد في قناعاته ولا يتلوّن، لذلك، نعاه الخصوم بدمع قد لا يقلّ حرارة عن ذلك الذي ذرفته عيون المحبّين، في ظهر ١٧ تشرين الثاني، نال لقب الشـ.ــهـ.ـيد..
عرف الناس من خارج الأطر الإعلامية الحاج محمد عفيف عن قرب بعد اســ.ـتشهـ.ـاد السيّد حسن، فالرجل الذي قصم ظهر قلبه نبأ اســ.ـتشهـ.ـاد "حبيب قلبه" السيّد، صار في لحظة ابن جميع بيوت المـ..ـقاومة، والصوت الذي تنتظر القلوب سطوعه المرصّع بالرصــ.ـاص الذي وجهته دائمًا صدر الـ.ـعـ..ـدوّ.. صوته الذي من أمام الركام وتحت وابل الصـ.ـو اريخ، لم يهتز، ولم يرتجف، ولم يتراجع أو يتخفَّ للضرورات الأمنية.. بالنسبة له، كانت الحر ب لحظة مـ..ـواجهة لا يمكن أن يحـ.ـتلّ فيها أمانه الشخصيّ أيّ أولوية. بكلام آخر، قاد الحاج محمد عفيف مسيرة الإعلام المـ..ـقاوم، وحين دعاه الواجب القتالي أن يكون اســ.ـتشهـ.ـاديًا، تابع المسار بعزم أكبر، وبلغ المنتهى، شـ.ــهـ.ـيدًا.. شـ.ــهـ.ـيدًا في ركب السيّد حسن!